Overblog
Editer l'article Suivre ce blog Administration + Créer mon blog

http://i36.tinypic.com/vd32ah.jpgيرى الكثير من الناس أنه كي يقضوا عطلة تليق بمستواهم الاجتماعي المرتفع و تناسب رفاهية و رغد معيشتهم اليومية، وخصوصا تثير انتباه و اهتمام من يشاركونهم موائد التفاخر و مشاريع التكاثر... أن عليهم اختيار إحدى المحطات السياحية المشهورة عالميا بكونها قبلة للمشاهير و رجال الأعمال وورثة الأموال، و إن كانت هناك المئات بل الآلاف من المواقع الأكثر جمالا و الأقرب مسافة و الأرخص تكلفة و لكنها أقل شهرة لأنها تقع في دول "فقيرة" أو "مناطق غير معروفة" ليس لها رنة "ميامي" أو غنة "بورابورا" أو جنون "كانكون" أو شهرة "كوستا ديل سول" أو أناقة "باريس" أو رومانسية "فينيزيا"

هؤلاء الناس يوهمون أنفسهم بأنهم من هواة السفر و محبي الاكتشاف و يحسبون أنه لم يستمتع أحد قط بحياته فوق هذه البسيطة كاستمتاعهم هم بعدما ترددوا على أرقى مطاعم العواصم الأوروبية و جالوا في أروقة أضخم المراكز التجارية العالمية و لمست جلودهم رمال سواحل أمريكا وأستراليا الذهبية المصطنعة ... المتعة و الترفيه مرتبط لديهم ب"الاسم" الذي يحكم ألبستهم و حليهم و حاراتهم و سياراتهم، و كأن الغنى أفقدهم حرية التصرف و الاختيار و الملبس و المأكل، فتراهم يتكلمون و يتحركون بنفس الطريقة ويترددون على نفس الأماكن و يهتمون بنفس الأشياء، وكأنهم تعارفوا ضمنيا على أنه لا يستوي المرء أن يدخل في خانة الأغنياء حتى يكون له مجموعة من "أسماء" الأشياء و يزور "أسماء" أماكن معينة

هؤلاء و إن كانوا يستمتعون بحياتهم سطحيا إلا أنهم أضاعوا على أنفسهم فرصة الاستمتاع بها في العمق... ليس عن طريق الغوص في أعماق شواطئ جزر الباهاماس و لكن الغوص في بواطن نفوسهم و استخراج ما أنغص عليهم حياتهم من كبر و عجب و حب للشهرة و حب الظهور و حسد و حقد و غل و نفاق و علو في الأرض و بخل و جشع و أنانية الذي يحول دون استمتاعهم بأبسط تفاصيل أيامهم و لياليهم، فتحولها إلى أيام تنافسية و ليال موحشة ثم تحرمهم من المغامرة الفعلية التي تتطلب تواضعا و ألفة و قناعة و حبا للمسكين و المقهور و رغبة صادقة لفهم لغز الإنسان الذي يختلف من شعب إلى شعب و لغز الطبيعة التي تتزين من أرض إلى أرض ووحدة الخالق الذي يدلك عليه اختلاف و تلون و روعة مخلوقاته

هذه المغامرة الفعلية لا تأخذ راكبها إلى المطاعم الإيطالية أو المراقص الجنونية أو الشواطئ الخاصة التي تحدد برامجها وكالات الأسفار أو عقلية التبعية التي تلقي بظلالها حتى في السياحة، و لكنها مغامرة يتجرد فيها الإنسان من كل الأفكار و المفاهيم التقليدية التي تجعل من العطلة موسم للخمول و الكسل و قراءة الجرائد الموغلة في السذاجة و الانبطاح على البطون وسط العراة بحجة "البرونزاج" و ما إلى ذلك من المناسك الترفيهية التي يؤديها كل الناس في كل سنة

المغامرة التي أتكلم عنها، بالإضافة إلى أنها تأخذ راكبها إلى أراضي تنبض بالثقافة و تمتلئ باللوحات الطبيعية الجميلة و تعرف الزائر على طرق تفكير جديدة و وسائل عيش هادئة و بسيطة و شعوب سعيدة، فإنها تساهم في تنمية اقتصاد دول فقيرة و أخرى عربية و إسلامية صديقة

و لكي أكون أكثر وضوحا، فإن هناك في دول إفريقيا السوداء كتنزانيا وزيمبابوي و كينيا طبيعة تنسي الإنسان همومه و أحزانه بسحرها وثقافة تعود إلى ألاف السنين و مرآة يرى فيها الزائر ظلم النظام العالمي الجديد و قسوته على القارة السمراء... و هناك في الدول العربية كسوريا و الأردن و لبنان و فلسطين و اليمن و مصر و تونس و موريتانيا مساجد و معالم تاريخية تحكي دروس بليغة، ترجع الإنسان إلى أصله و تذكره بزمن غزته و مجالس شرقية أو مغاربية أو صحراوية يتصالح فيها الإنسان مع كيانه الاجتماعي ... ثم هناك في دول إسلامية عجمية كتركيا و ماليزيا و اندونيسيا و بنغلاديش وجزء من الهند و الدول المنتهية ب"ستان" و التي تضم إحداها الجبال الثلجية الشاهقة و الثقافة الشعبية الأصيلة و الحكمة البليغة بينما تزخر الأخرى بالتجارب الاقتصادية الناجحة والعقلية الإيجابية المبدعة و الأخلاق المهذبة
مثل هذه الدول هي الأحق بأموالنا و الأجدر باهتمامنا و الأنسب للأيام القليلة التي يتركها لنا العمل لأنها في أمس الحاجة إلى المال التي تشكل السياحة أهم موارده بينما نحن في أمس الحاجة إلى دروس الجمال و التاريخ و الثقافة و الحياة بصفة عامة التي توفره لنا

و من بين الأماكن التي يسافر فيها الإنسان بخياله ووجدانه أكثر من بدنه عند زيارته لبنان هي مغامرة تقع على بعد عشرات الكيلومترات من بيروت نحثث في وسطها تماثيل و منحوتات بطريقة طبيعية عن طريق الترسبات الكلسية على مدى مئات الآلاف من السنين ... مغارة جعيتا استطاعت أن تشد انتباهي طوال مدة طوافي في شعابها و تجاويفها الضيقة حول كل هذه الهياكل الكلسية التي رسمتها بكل دقة براعة و جمالية الخالق على مر العصور ... الغريب هو أن كل شكل أو تكوين حجري يأخذ شكل حيوان أو شيء معين تعرفه، لكن سرعان ما تدقق فيه بعمق حتى يذكرك بشيء آخر، وعندما تطلب ممن تصاحبه ما استلهمه في هذا الشكل أو ذاك، يصادفك باستخلاص و استنباط آخر

وما يزيد هذه اللوحات الجمالية الطبيعية التي تضاهي أهم أعمال النحاتتين العالميين روعة هو إطلالها على نهر جوفي يرى ما في عمقه من صفاء مائه الأزرق الذي يميل إلى الاخضرار والذي يعطي لونا فريدا جعل من هذا المكان من أجمل ما رأت عيناي على الإطلاق، وهو ينافس 20 موقعا عالميا أخر ليكون ضمن عجائب الدنيا السبع

من المؤسف أنني لم أستطع التقاط صور لهاته التحفة السياحية لأنه يمنع ذلك لعدم إعاقة حركية مرور الزوار في الممرات الضيقة و كذلك لعدم الإضرار بهذه الأشكال الهندسية الفريدة بأضواء آلات التصوير ... ربما يدفع ذلك القراء ليأتوا بأنفسهم إلى لبنان ليتمتعوا بجزها و بحرها و دول الشام القريبة ـالأردن و سوريا و فلسطين فك الله أسرها – و بطبيعة الحال مغارة جعيتا الخلابة

Tag(s) : #مذكرات و خواطر
Partager cet article
Repost0
Pour être informé des derniers articles, inscrivez vous :